الاثنين، 25 أغسطس 2014

تأملات من حياة النبي سليمان في القران(3)



قال تعالى"وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴿٢٠﴾ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴿٢١﴾ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴿٢٢﴾ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴿٢٣﴾ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴿٢٤﴾ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴿٢٥﴾ اللَّـهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴿٢٦﴾ النمل .
بعد أن حشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير هاهو يتفقد هؤلاء الجنود حتى إذا جاء الدور على فرقة الطير قال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ويظهر من السؤال حكمة سليمان وإحتياطه في الكلام وعدم إلقائه الاتهام جزافا وعدم تقديم سوء الظن بالرعية فعندما لم يري الهدهد ذكر كل الاحتمالات فقد يكون ذلك راجعا إليه هو بان يكون الهدهد موجودا ولكن لم يره أو غير موجود فيكون من الغائبين وفي هذه الحالة إما أن يأتي بعذر مقبول " أو ليأتيني بسلطان مبين " أو يحاسبه على هذا الغياب ولا داعي للدخول في نقاش واسع عن طبيعة الهدهد وتعريفه بال التعريف وهل هو هدهد خاص ام هدهد من جملة الهداهد إذ ان الظاهر حسب السياق العام للآيات انه جندي لسليمان من الطيور المحشورة له بأمر ربها وهو بهذا معروف لدي سليمان ومكلف بمهام محددة يتفقده كقائد له ويحاسبه ويتابعه كباقي الجنود . لكننا نريد التامل باعتبار هذه القصة نافذة للإطلال منها على عوالم تحيط بنا ولا تسمح سنة الكون بالتواصل معها مباشرة او ان نفهم لغتها ففرصة يمنحها القران الكريم لنا للإطلاع على طبيعة هذه المخلوقات عبر هذه النوافذ القرآنية فالهدهد كبقية الطير وكبقية المخلوقات خلقت لخدمة الإنسان وتؤدي وظيفة في هذا الكون لمصلحة الإنسان عموما وقد تقدم الحديث في هذا الموضوع عند حديثنا عن آدم فالله قبل ذكر خلق آدم بين انه خلق ما في السموات والأرض لأجل الإنسان " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)البقرة . وقصة ادم كما عرضها القران تبين أن ما في الكون كله من مخلوقات بما في ذلك الملائكة تعمل لصالح الإنسان إلا إبليس وذريته فهم فقط الذين يعملون لغير صالحه وفي هذه الايات وهي تعرض موقف الهدهد مع سليمان تفتح لنا نافذة نطل منها على بعض هذه المخلوقات وقد علم الله نبي من الأنبياء منطقها وأوتي فهم حديثها . حسب سياق الآيات فالهدهد من جملة الطيور التي حشرت كجنود لسليمان الا ان الواضح من الموقف الذي عرضته الآيات للهدهد هو قيامه بمهمة لم يكلفه بها سليمان وذلك واضح من الحوار في الايات فما قام به الهدهد وما تحدث به هو مبادرة منه ساقته اليها فطرته التي فطر الله عليها المخلوقات جميعا من العبودية لله والتسبيح بحمده فقد جذب انتباه الهدهد موقف شاذ وغريب لبعض البشروهو انهم يسجدون للشمس من دون الله وهو ماأطال مدة مكث الهدهد عندهم حتى يستقصي الموضوع من جميع جوانبه حتي تخلف عن طابور التمام للجند فظل مع القوم حتى احاط بكل شيء عنهم ولقد صدمه هذا الشذوذ من بعض البشر ويبدو من عرض الهدهد لديانة القوم حكمته وعقله، وفطرته النقية واستفزاز مشاعره من هذه التصرفات الشاذة لبعض البشر والمتامل في القران يجد ان هذه مشاعر وفطرة جميع المخلوقات سوى الإنسان التوحيد لله والعبودية له والتسبيح له وقدعرضت باستفاضة في ثنايا آيات القران يقول تعالى " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (44)"الاسراء ) ويقول تعالى " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) الحج , ويقول تعالي "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) النور .ومن هنا فالهدهد اهتم للدين الحق، وتأثربتصرفات القوم ، واستفزه سلوك منحرف من بعض البشر وعّقب على ذلك قائلا: "وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون". ثم هتف من اعماقه " الايسجدوا لله "لقد حسّن لهم الشيطان أعمالهم، وحبّب إليهم كفرهم، وصدّهم بذلك عن طريق الحق، واتبعوا طرق الغواية والضلال، فكانت النتيجة أّنهم لا يهتدون. لقد استفز الهدهد أن ينصرف بعض البشر عن عبادة الله المنعم إلى عبادة بعض مخلوقاته ان يعبد قوم الشمس ويتركوا عبادة الله الذي خلقها وصاح قائلا "ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض". وقد قرأ الكسائي " ألايسجدوا" بالتخفيف وقرأ الباقون: بالتشديد. وتوجيه قراءة التشديد: أن " ألا" عبارة عن "أن" الناصبة للفعل المضارع و"لا" النافية ادغمت النون في اللام وكتبت كما في النطق . ومعناها وزين لهم الشيطان أَن لا يسجدوا لله وتوجيه قراءة التخفيف : أن" ألا" جعلت تنبيهًا واستفتاحًا للكلام. وتعتبر الياء من يسجدوا للنداء واسجدوا فعل أمر ويكون معناها : ألا يا هؤلا أسجدوا وقراءة التشديد لا إشكال في معناها، إذ تقديرها: وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدو ا. أولأجل أن لا يسجدوا. أمّا قراءة التخفيف فكان حق الخط على هذه القراءة أن تكون هكذا: ألا يا اسجدوا ولكن الصحابة في كتابتهم للمصحف العثماني أسقطوا الألف) عن (يا) و (همزة الوصل) من (اسجدوا ووصلوا الياء بسين اسجدوا، فصارت صورة الخط ألا يسجدو ا والمنادى محذوف وتقديره: ألايا هؤلاء اسجدوا , وذلك حتى يحتمل الرسم القراءات المتواترة في الآية من التشديد والتخفيف كما هو معلوم في قواعد رسم المصحف وقد اختار الهدهد هذه الصفة لله على نحو ما يفهم ويعقل، وعلى حسب حاله من طول منقاره الذي يستخدمه في التفتيش في الأرض عما يقتات عليه ويأكل!!!.- ثم انتقل منها للحديث عن وحدانية الله في حياة الناس. "ويعلم ما تخفون وما تعلنون" قرأها حفص بالتاء على انه خطاب لسليمان ولمجلسه وقراها الباقون بالياء على انه حكاية عن ملكة سبأ وقومها فالله تعالى يعلم ما نخفي وما نعلن، وما نسّر وما نجهر. وبعد ذلك انتقل إلى تعظيم الله تعالى فذكر: "أنه الإله الواحد الذي لا شريك له، ولا معبود بحق سواه، وهو رب العرش العظيم اعظم من عروش الملوك، فكل عرش مهما عظم فهو. دونه، -ومنه عرش بلقيس- فكان الواجب إفراده بالعبادة "الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم". وفي حديث الهدهد عن عرش الله: "تعريض بأن عظمة ملك بلقيس، وعظم عرشها ما كان حقيقًا بان يُغْرها بالإعراض عن عبادة الله تعالى. ترى كم من المقت والغضب تصبه الكائنات حولنا على سلوكنا اذا انحرف عن الصراط المستقيم؟ وكم تتأذى تلك المخلوقات التي حولنا ممن لانفهم لغتها ولا منطقها من معاصينا لله ، ترى لو قدر للعصاة والمنحرفين ان يفهموا لغة الكائنات حولهم لعرفوا كم هم منبوذون ومحتقرون من كائنات العالم كله وليس من أقرانهم من البشر فقط.؟!!! وفي الحلقة القادمة نتامل تعامل سليمان مع موقف الهدهد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق