الخميس، 28 أغسطس 2014

تأملات من حياة النبي سليمان في القران(4)

قال تعالى " قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكَاذِبِينَ (27) اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)
سمع سليمان عليه السلام الهدهد يدلى بحجته عن غيابه حتى النهاية ليحمل مفاجآت عديدة عن قوم لم يعلم بهم سليمان وفي أخبارهم من الغرابة ما يقتضي اتخاذ موقف حاسم حازم معهم لكن لنرى رد الفعل من سليمان عليه السلام عبر نافذة قرآنية أخرى نطل منها على تفكير الملك النبي تكون نبراسا لأمة تعد للتمكين في الأرض والاستخلاف فيها.
أولا: مع استفزاز القصة والإبداع الخطابي من الهدهد في عرضها الا أن سليمان حافظ على موضوعيته وتوازنه في تقدير الحديث فقال ان هذا كلاما يحتمل الصدق والكذب ولنتبين ولنتثبت" قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكَاذِبِينَ"
لم يفعل مثل ما فعل أبوه داوود عليه السلام عندما سارع بالحكم بعد سماع احد الخصمين دون الطرف الأخر في قصة الخصمين الذين تسوروا المحراب بل قال "سننظر" وهنا يظهر نبوغ سليمان وعبقريته في فقه القضاء لقد أوتي الفهم الصحيح للقضاء في حضرة أبيه عندما كان يحكم في الغنم الذي نفشت فيه غنم القوم" ففهمناها سليمان " قد أوردت السنة شيئا من فقه سليمان في القضاء يظهر نبوغه وتفوقه فيه فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن أحدهما، فقالت صاحبتها: إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك. فتحاكما إلى داود فقضى للكبرى. فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما. فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها. فقضى به للصغرى" فعمد عليه السلام لمعرفة الأم الحقيقية بان استجاش عاطفتها فرفضت أن يقتل ابنها وآثرت أن يبقى حيا بعيدا عنها على قتله. فاستدل سليمان بهذه القرينة على أنه ابنها.
ثانيا: بالإضافة إلى  عبقريتة في القضاء فان قوله  "سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين أظهرت أيضا عبقرية ونبوغ في سياسة وإدارة الأمم و الممالك فالحكام الفاشلون هم الذين يبنون سياستهم على التلصص وتلقي الأخبار من احد أطراف الرعية على الطرف الأخر دون تحقيق أو تثبت ويأخذون الناس بالتهمة والاشتباه مما سبب كوارث لشعوبهم وأقوامهم وانتهاكا لحقوقهم وحرياتهم .
ثالثا:- شرع سليمان في التثبت من الخبر " اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنِّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)
وكتاب سليمان عليه السلام كما انه للتثبت من الأخبار التي نقلها إليه الهدهد فانه أيضا تضمن مبدأ الشرعية الدستورية هذا المبدأ الذي وصلت إليه البشرية حديثا على الأقل نظريا بعد عهود من الظلم والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان وأصبحت قواعد مستقرة تعلوا على الدساتير فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص وهو قبل ذلك وبعده سنة إلهية ثابتة "وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)الأعراف, "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)" الإسراء, وهو ما يوضح طبيعة النظام القانوني والدستوري لدولة سليمان إذ تقوم على مبدأ سيادة القانون ومبدأ المشروعية فلا حساب ولا عقاب قبل الإنذار والبيان فلم يكن سليمان ملكاً جباراً في الأرض يحكم بنزواته وأهوائه ويفعل ما يشاء دون ضوابط شرعية وقيم أخلاقية كما يفعل كثير من ملوك وزعماء الدنيا، إنما هو نبي.. يسمع حجة هدهد غاب عن نوبته دون إذنه، قبل أن يقضي في شأنه قضاءً نهائياً، ويرسل كتابا كريما لقوم يعبدون الشمس من دون الله يدعوهم فيها إلى الإسلام قبل التفكير بغزوهم, ومن ثم تبرز سمة النبي في الملك العادل
ولنرى في الحلقة الخامسة ماذا كان موقف الملكة من كتاب سليمان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق