الاثنين، 4 أغسطس 2014

فقه الازمة وازمة الفقه الخروج على الحاكم نموذجا


إن شمول الأحكام الشرعية  يعني أن تحكم الشريعة سلوك المكلفين في أحوالهم العادية  وفي   أحوالهم الطارئة  أيضا .  ولا يعقل أن تتنحى الشريعة جانبا عندما تتغير الظروف على المكلفين وتصبح أحكامها العادية  في أحوالهم غير العادية حرجا عليهم بل جاءتهم بأحكام خاصة للظروف المتغيرة لرفع الحرج عنهم وهو مقصد عام من مقاصد الشريعة " وما جعل عليكم في الدين من حرج "
وقد كان التأمل في أحوال المكلفين وما يطرأ عليها من تغيرات لتوقيع الحكم الشرعي الملائم  عليها هو مهمة الفقهاء المبدعين , والذي شكل اجتهادهم اختراقا للازمات التي تواجه المجتمع  لتقديم الحلول الملائمة لها وعلى الناحية الأخرى  فقد شكل الإخفاق في هذه المهمة   بسبب توقف الاجتهاد وتيبس العقل الفقهي وعدم اعتبار الأحكام الخاصة بالأحوال الطارئة وملاحظة ما يطرأ على ظروف المكلفين  شكل  أزمة  على مر التاريخ الفكري للأمة .
وعندما نتناول قضية الخروج على الحاكم في عصر الثورات العربية يمكننا أن نلحظ الأزمة التي يعيشها العقل الفقهي المعاصر في مواجهة الأزمات المعاصرة.
مظاهر الأزمة
قامت في عالمنا الإسلامي ثورات ضد الحكام المستبدين الذين ورثوا مرحلة الاستعمار فمنهم من اندحر ومنهم من ينتظر.
ولقد سام هؤلاء الحكام  شعوبهم سوء العذاب وجعلوهم شيعا وطوائف يؤلبون بعضهم على بعض  ونهبوا ثرواتهم ومكنوا الأجنبي من التحكم في مصير الأمة  وناصروا أعداء الأمة ضدها ولم ترى منهم الشعوب إلا جعجعات وشعارات فارغة فلم يحققوا تنمية ولا عدالة كما لم يحققوا استقرارا ولا تحريرا للأرض  وكان القاسم المشترك عند هؤلاء الحكام هو حربهم على الدين  باعتباره في نظرهم  سببا للرجعية والتخلف   وما فتأو يحاربون الإسلام  لهذا الزعم سرا وجهارا   ليلا ونهارا
وكان من الطبيعي أن تتغير تلك الأوضاع كسنة من سنن الله في خلقه  فلما كانت المظاهرات السلمية التي أعلنت الاحتجاج عن هذه الممارسات وجدنا صوتا ينسب إلى الفقه  ويتسربل بردائه من اجل أن  يكرس بقاء هؤلاء الظالمين  في أماكنهم ويشرعن له من الدين هذا الصوت يقول إن هذه الاحتجاجات   خروج على الحاكم وهذا لا يجوز شرعا  بل تجاوز الأمر إلى تبرير قمع هذه الاحتجاجات حتى لو بالقوة فهو تمرد يجب قمعه ولو بإزهاق النفس  وكأن الموقف الصحيح عند هؤلاء هو أن يستسلم المحتجون لجلاديهم حتى يذبحوهم بدون عناء أو تكلفة وهكذا تورط بعض العلماء في أزمة بالغة الأهمية  حين اصطفوا مع الاستبداد والظلم للمستضعفين  ليشرعن له وجوده .

وأيا كان الأمر فلسنا في مجال تحقيق الموضوع وإنما أردنا فقط إظهار حجم الأزمة التي ظهر فيها هؤلاء العلماء وأوقعونا فيها  عندما تصادموا  مع إرادة الشعوب بعد أن عجزوا  عن معالجة الأزمة  وتخشبت عقولهم وتيبست عن الإبداع والحيوية التي عرفها جيل العظماء من فقهاء الأمة التي اخترقت اجتهاداتهم  جميع الأزمات وجاوزت الزمن الذي نشأت فيه لتمتد إلى المستقبل أيضا.
وكانت النتيجة أن امتد السخط  على الاستبداد إلى هؤلاء العلماء ليضعهم مع المستبدين في سلة واحدة   بعد أن وضعوا أنفسهم فيها من قبل  وأصبحت هناك ذريعة جاهزة لدي العلمانيين تبرر ما يحبون أن يتشدقوا به دائما  من أن الدين غير قادر على استيعاب مستجدات وتطورات الحياة  وغير قادر وسمعنا مرة ثانية أن التقدم والتطور مرهون بتنحية الدين جانبا  وان الأصلح للجميع ألا يتدخل الدين في السياسة لأنه يفسدها وتفسده مع أن هذه النظم المستبدة وهي نظم علمانية هي التي أفسدت تلك العلاقة   باستغلالها الدين بهذا الشكل وبهذا أوصلنا الفقه المتأزم إلى أن ندور حول أنفسنا في الحلقة المفرغة  مرة ثانية   ووقف عقبة في سبيل المشروع الإصلاحي الحضاري المنطلق من الإسلام .
سبب الأزمة
كما سبق وقد أوضحنا المظهر العام لازمة الفقه عند تيبسه في تقديم الحلول الملائمة لازمات الأمة  كما فعل جيل العظماء من الفقهاء المجتهدين وعندما يقف  هذا العقل المتخشب جنبا إلى جنب في صف أعداء الأمة ويصر في الوقت نفسه أن ينسب هذا الموقف إلى الدين  وتشكيله عقبة أمام النهوض الحضاري للأمة وعندما نبحث عن سبب هذه ألازمة من وجهة نظرنا تتلخص في الآتي:
أساس مختلف ونتائج مختلفة
أن القول بان هناك مرجعية قديمة لهؤلاء الذين وقفوا مع الاستبداد بتحريم الخروج علي الحاكم باعتبارهم ولاة الأمر هو قول فيه من المغالطة والغش الكثير.
فالموقف الفقهي المتأزم الذي ظهر من بعض العلماء  من الثورات العربية ولم يرفى إلى تطلعات الشعوب التواقة للحرية  يختلف عن الأحكام السلطانية في الفقه السياسي الإسلامي في الأساس وفي النتائج  معا:
أولا :- يختلف هذا الموقف  في أساسه الفقهي  عن  الأحكام  الفقهية القديمة  لان الأحكام السلطانية التي منعت الخروج على الحاكم  الظالم  كانت كلها تستند إلى قاعدة المصلحة فرات أن في الخروج عليه مفسدة اكبر من إزالتها أما الفتاوى الحديثة  التي ظهرت في عصرنا  لم تؤسس على الترجيح بين المفاسد والمصالح  في الخروج  على الحاكم إنما كانت تؤسس على قدسية الحاكم  وحقه المقدس في عدم الخروج عليه  وعدم التعرض لذاته المصونة وهي نظرية تعتمد على الحق الإلهي للحاكم التي عرفها الرومان والمصريون القدماء وهي نظرية لاشك قد هجرها الفقه السياسي الوضعي فعلا وان مارسها بعض السياسيين عملا من قبيل الانتهازية فقط
لكنها  غريبة جدا على الفقه الإسلامي والحس الإسلامي عموما فالبديهيات الإسلامية تنفي العصمة عن أي مخلوق سوى النبي صلي الله عليه وسلم  والعقيدة الإسلامية تؤمن أن كل بني ادم خطاء ولا يوجد بشر مقربون من الله بالعرق والنسب بل القرب بالتقوى والعمل الصالح وانه لا يوجد اله في العقيدة الإسلامية إلا الله الواحد الأحد وان خير الأجيال وهم جيل الصحابة وهم الذين عاصروا النبي وشهدوا نزول الوحي هؤلاء يجوز عليهم الخطأ والصواب  وان اخطوا جاز الاعتراض عليهم والوقوف في وجهم وقد حدث كل هذا  في التاريخ الإسلامي فالتاريخ الإسلامي لم يعرف قدسية لشخصية الحاكم .
إذا فنظرية الحق الإلهي بعيدة عن الفقه الإسلامي وعن العقيدة الإسلامية وعن التاريخ الإسلامي و هي نظرية وثنية بحته  ومستفزة لمشاعر المسلم التي شكلها التوحيد  لكن للأسف استند إليها القائلون بعدم الخروج على الحاكم في العصر الحديث و أسسوا فتواهم على أسس وثنية  وزعموا أنهم أنصار التوحيد  !!!!!
وبالرجوع إلى فقه الأحكام السلطانية نجد جمهور الفقهاء يتّفقون على:
- جواز الخروج بالسّيف على الحاكم الظّالم، إذا ترجّح إزالة الظّلم وإقامة العدل بهذا الخروج. أمّا إذا ترجّح أنّ الخروج يؤدّي إلى فتنة تسيل فيها الدّماء، ويتمزّق المجتمع ويستمرّ الظّلم، فإنّ الخروج بالسّلاح لا يجوز.
*-كما يتّفق الجميع أنّ إنكار المنكر واجب. ومذهب الصّبر لا يعني السكوت على المنكر فالرّسول صلى الله عليه وسلّم يقول: ( سيّد الشّهداء حمزة. ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه، فقتله) أي أمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، فقتله.
وسيّدنا الحسين رضي الله عنه سيّد هؤلاء الشّهداء الذين وقفوا أمام الحاكم الجائر المنحرف، فأمره بالمعروف ونهاه عن النكر، فقتله.
إنكار المنكر، مبدأ إسلامي خالد، سيظلّ حيّاً في المجتمع الإسلامي إلى يوم القيامة.
ثانيا:- اختلاف في النتائج

كما رأينا فان الموقف الحديث من الخروج على الحاكم يختلف في أساسه الفقهي عن الفقه السياسي الإسلامي فانه يختلف في نتائجه أيضا.
*- فالرأي القائل بعدم الخروج على الحاكم الظالم  نظرا لقيامة على الترجيح بين المصالح والمفاسد لا يهاجم الخارجين ولا يكفرهم ولا يحرض  عليهم ولا يؤلب الحاكم عليهم  ولا يبرر للحاكم قصفهم بالصواريخ والدبابات وقتلهم بالدم البارد كما رأينا من سلوك هؤلاء  الحكام مع شعوبهم لأنهم  في النهاية مؤمنون أنصار للحق   خرجوا دفاعا عنه ومن مات منهم مات شهيدا
*- فبعض الصحابة لم يوافقوا الحسين عليه السلام في الخروج  على يزيد  لكن لم نجد أحدا منهم ولا من بعدهم وصف قتل الحسين بأنه جائز آو برر فعل يزيد  ولكن الجميع من الصحابة والتابعين سنة وشيعة يعتقدون أن الحسين هو سيد شباب أهل الجنة وهو شهيد  وكذلك عبد الله بن الزبير وهكذا  .
*- أخيرا  لقد كان الموقف الفقهي المعاصر بعدم الخروج على الحاكم اقرب إلى  الانتهازية  منه إلى الفقه  ومن الظلم نسبة هذه الانتهازية إلى الفقه الإسلامي وخلط الأوراق ليظهر أن الإسلام يتساوق مع الاستبداد رغم انه أي الإسلام هو الذي جاء بأول ثورة في تاريخ البشرية على العبودية وتحرير العباد  وإخراجهم من عبادة العباد إلى حرية العبودية لله الواحد القهار وإخراج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ولننطلق في نهضتنا وحركتنا من مبادئ الإسلام على منهج  العظماء الذين ملئوا الدنيا نورا وعلما بعد أن ملئت جهالة وظلمة وملئوها قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق