الاثنين، 4 أغسطس 2014

السخرية والاستهزاء " رؤية قرانية



السخرية والاستهزاء " رؤية قرانية

السخرية والاستهزاء, حسب نظرة  القران الكريم ليسا علما نافعا ولا أدبا راقيا, ولا فنا مبدعا, ولكن خلق دنيئ وسلوك وضيع من نفوس مضطربة نهى عنه القرآن الكريم نهيا صريحا واصفا إياه بالفسوق بعد الإيمان "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات/11}
 كما أن القائم بهذا الفعل ليس عالما ولا مبدعا ولا أيبا بل قاطع طريق ومفلس وجبان مادفعه الى هذا الفعل الدنيء إلا قلة حيلته في مقابلة الحجة بالحجة وجبنه عن إظهار ما يبطن  ودناءة  في نفسه عندما احتقر الاخرين  وجعل من سلوكهم وعقائدهم مادة للمزحة والفكاهة .
سلوك المنافقين وأعداء الأنبياء
"وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ {البقرة/14} وقد تميز سلوك المنافقين  مع أفراد المجتمع المسلم بالسخرية والاستهزاء منهم ومن عقائدهم وشعائرهم ومقدساتهم " يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ {التوبة/64}
وقد ورث المنافقون طريقة الاستهزاء والسخرية من أسلافهم أعداء الانبياء, فشيخ الانبياء نوح عليه السلام وقد سلك مع قومه كل طرق الدعوة والارشاد ألف سنة إلا خمسين عاما فما كان منهم إلا أن جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا, وفي النهاية كانت السخرية طريقتهم في التعامل مع نوح عليه السلام " وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ {هود/38}.
 كما كان تعامل قوم موسي مع الآيات المبصرة بالضحك والاستهزاء (فَلَمّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ)(الزخرف 10). ثم توالى إرسال الرسل وكانت الحقيقة الاجتماعية والتاريخية المرّة أنه ما من نبي بعث في مجتمع على طول التاريخ إلا واستهزأ به بعض أفراد قومه  (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ  وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) {الحجر10/11} (يَا ياحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) {يس/30}[2]).(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيّ إِلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)([3]).
ونقل القرآن استهزاء كفار ومشركي قريش وعبدة الأصنام في مكة بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً)([11]), وأخبرنا القرآن بسخريتهم من أقوال النبي وآيات الله (وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) {الصافات/14}  كما اخبرتنا الآيات عن استهزائهم وضحكهم من المؤمنين أتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ وإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ)([ المطففين 29 ـ 31.)
وهو  سلوك أهل الكتاب مع النبي
ولقد كان سلوك الاستهزاء والسخرية دأب أهل الكتاب مع النبي صلي الله عليه وسلم عندما أعيتهم عقولهم أن يقابلوا الحجة بالحجة "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء 140] "وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ {المائدة/58}
كيف تعامل القران مع المستهزئين
يشير القران الى أن الاستهزاء له جذور نفسية ناتجة عن تلوث سلوكي وأخلاقي,  أعمى صاحبه عن التفكير السديد في آيات الله وهو ما يدفع الى السخرية منها وبالتالي أدى الى التكذيب بها كقوله تعالى (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآيات اللّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ)([8]).
تعجيل العقوبة للمستهزئين
يقول تعالي "وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ "  فالله قد توعد المستهزئين بإنزال العقاب الذي نزل بأسلافهم من قبل, يقول أبو جعفر الطبري في تفسير هذه الاية: يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم - ، مسليا عنه بوعيده المستهزئين به عقوبة ما يلقى منهم من أذى الاستهزاء به، والاستخفاف في ذات الله: هون عليك، يا محمد، ما أنت لاق من هؤلاء المستهزئين بك، المستخفين بحقك في وفي طاعتي، وامض لما أمرتك به من الدعاء إلى توحيدي والإقرار بي والإذعان لطاعتي، فإنهم إن تمادوا في غيهم، وأصروا على المقام على كفرهم، نسلك بهم سبيل أسلافهم من سائر الأمم من غيرهم، من تعجيل النقمة لهم، وحلول المثلاث بهم. فقد استهزأت أمم من قبلك برسل أرسلتهم إليهم بمثل الذي أرسلتك به إلى قومك، وفعلوا مثل ما فعل قومك بك " فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون  يعني بقوله : " فحاق " فنزل وأحاط بالذين هزئوا من رسلهم " ما كانوا به يستهزئون يقول: العذاب الذي كانوا يهزءون به، وينكرون أن يكون واقعا بهم على ما أنذرتهم رسلهم .وبعض الآيات تشير الى انّ المستهزئين سينزل عليهم عذاب الحسرة والندامة  (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ)([6]).وبعضها يشير الى الجزاء الحسن الذي أعدّ للمستهزَئ بهم ومواساتهم، كقوله تعالى:(فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ)([7]).
جزاء من جنس العمل
توعد الله المستهزئين بالقصاص العادل منهم يوم القيامة بأن يكونوا في موقف المضحوك بهم والمستهزء بهم بعد أن كانوا في الدنيا هم الذين يضحكون ويستهزئون ":(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ وإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ {المطففين29/34}
توجيه للمؤمنين بشان المستهزئين
الإعراض عنهم  وعدم محاورتهم: القرآن يدعو الى الحوار مع أصحاب العقائد المختلفة دون سقف أو خطوط حمر, فقد نقل القرآن الجدال مع أهل الكتاب في قضية أبوة المسيح دون حرج وناقشها معهم نقاشا موضوعيا, كما ناقش الملحدين منكري الألوهية ومنكري البعث, وجادل إبراهيمُ عليه السلام  النمرود في اشد القضايا حساسية,  كما نقلت سورة الكهف حوار صاحب الجنتين مع صاحبه في قضية الألوهية, والمواضع في القرآن كثيرة فليس في القرآن حظر في الجدال الحسن في أي موضوع مهما كان,  لكن عندما ينقلب الطرف الآخر الى طريقة الاستهزاء والسخرية فالقرآن يغلق باب النقاش والحوار معه ويأمر بالإعراض  عنه وعدم الجلوس معه, يقول تعالى " وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الانعام/68}
ولقد ضل قوم تنكبوا فقه القرآن فدعوا الى حوار المستهزئين والذهاب لهم لمحاورتهم  كما في حادثة الرسوم المسيئة للرسول وغيرها, وهذا فهمٌ بعيد عن فقه القرآن في هذا المجال اذ إن الساخر او المستهزئ لايتعامل بعقل وانما يتعامل برواسب نفسية سيئة لايجدي معها الحوار,  ومن ثم كان منهج القرآن هو الاعراض عنهم  ومقاطعتهم ما بقوا على الاستهزاء  والسخرية فإن اقلعوا عنه فلا مانع من محاورتهم.

عدم الجلوس معهم  وعدم المؤانسة بأقوالهم: أخبرنا القرآن عن صفات عباد الرحمن " وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا {الفرقان /72} يقول الطاهر بن عاشور في تفسير هذه الآية: اي أنهم يمرون وهم في حال كرامة، أي: غير متلبسين بالمشاركة في اللغو فيه، فإن السفهاء إذا مروا بأصحاب اللغو أنسوا بهم ووقفوا عليهم وشاركوهم في لغوهم فإذا فعلوا ذلك كانوا في غير حال كرامة, وإذا مر أهل المروءة على أصحاب اللغو تنزهوا عن مشاركتهم وتجاوزوا ناديهم فكانوا في حال كرامة، وهذا ثناء على المؤمنين بترفعهم على ما كانوا عليه في الجاهلية كقوله تعالى: (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا) ، وقوله :(وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق