الأربعاء، 6 أغسطس 2014

المساجد والعمل السياسي بين الواقع والمأمول



اعترف ان الذي حيرني في هذا الموضوع هوعنوانه فمن يتحدث في هذا الموضوع يتحدث تحت عنوان استغلال المسجد في الدعاية السياسية او ضرورة تحييد المسجد في امور السياسة وهي عناوين كما ترى تبدا بالحكم قبل الحيثيات وتصادر على المطلوب قبل الدخول في الموضوع.
لقدتاقت نفسي في بحث علاقة المسجد بالسياسة دراسة فقهية مجردة لاتخضع لراي مسبق او هوى مطاع لا اراعي فيهاغير القواعد المنهجية المجردة التي عرفها فقهاؤنا في ابحاثهم الفقهية .
دور المسجد بين مفهومين
دورالمسجد في المفهوم العلماني يختلف عن دوره في المفهوم الاسلامي فهو في المفهوم العلماني يرتبط بوظيفة الدين المنعزل عن الواقع وغير المؤثر فيه واذا كانت العلمانية مافتأت تنادي بفصل الدين عن السياسة وهي مقولة غريبة لايقرها علماء الدين ولا علماء السياسة ومن ثم فلا غرابة ان تنادي بابعاد المسجد عن السياسة .
لكن الغرابة ان يصدر هذا المعني من علماء في الدين وفي السياسة مع اقرارهم بعدم صحة مقولة لادين في السياسة ولا سياسة في الدين .
والاشد غرابة ان الذين ينادون بذلك من علماء الدين هم الذين يستخدمون مطايا للحكام المستبدين يشرعنون له تصرفاته وافعاله بمسحة من الدين اي يقومون بدور الكهان لهؤلاء السلاطين وان الذين ينادون به من زعماء السياسة هم اول من يستغيث برجال الدين للظهور معهم
والاشد واشد غرابة هي الحجج التي يسوقها هؤلاء عن ابعاد المسجد عن السياسة فيقولون ان  المساجد  خصصت للعبادة والصلاة، و نرفض استغلالها فى مثل هذه الأمور"،وأن المساجد للصلاة والعبادة والدعوة إلى الله وليست للعمل السياسى والله يقول وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً)".
 فهلا اخبرنا هؤلاء عن نظرتهم للسياسة ووهل هي تدنس ممارسها ؟!! واذا كانت السياسة تدنس المساجد المقدسة فان المفهوم الشرعي للسياسة اذا كانت بهذا المعنى فانه يعتبرها مرفوضة سواء في المسجد او في السوق .
لكن ماذا اذا كان من يمارس السياسة ينطلق من مفهوم انها ممارسة للاصلاح في حياة الناس على هدي من الله وبرهان فهل هي بهذا المعني ايضا تدنس المسجد ام ان دور المسجد في مفهوم الفقه الاسلامي لايستوعب ذلك ؟
يقول الدكتور معتز عبد الفتاح  اذا كان الرسول قال لمن انشد ضالته في السجد لارد الله عليك ضالتك  "اقول لمن يقحم المسجد في الانتخابات "لاانجح الله حزبك"
وهو بهذا يقيس ممارسة السياسة في المسجد كمن ينشد ضالته في المسجد فيدعو عليه بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم" لارد الله عليك ضالتك" والغرابة هنا ليس في القياس الفاسد فقد يكون الدكتور معذورا بهذا القياس لانه ليس من اهله لكن الغرابة هي نظرته الى العمل السياسي وهو استاذ للعلوم السياسية  فاذا كانت نظرة استاذ السياسة للسياسة انها مصالح شخصية محضة ينشدها اهلوها  بعيدا عن المصلحة العامة وهو ان صح في المفهوم الغربي للسياسى فانه في الواقع في عالمنا الاسلامي غير ذلك ولو كان كذلك فاشهد الله واشهدوا اني بريء من السياسة واهلها .
 لكننا لم نعهد في فقهنا الاسلامي هذا المعني  فالمفهوم الاسلامي للسياسة لايري فيها سوى القيام على مصالح الامة.
فالسياسة في معناها اللغوى كما في لسان العرب لابن منظور هي القيام على الشيء بما يصلحه" ولم يخرج الفقهاء المسلمون في مفهومهم عن السياسة عن هذا المعني اللغوي  فيعرفها المقريزي بانها" القانون الموضوع لرعاية الاداب والمصالح وانتظام الاحوال " كما يعرفها البيجرمي قي حاشية ابن عابدين بانها اصلاح امور الرعية وتدبير امورهم " ومن ثم فالعمل السياسي هو عمل عام بامتياز  يهدف الى تحقيق المصلحة العليا للمجتمع وليس شخصي فماذا يقول هؤلاء في من وقف حياته على تحقيق الصالح العام هل ندعو عليه ايضا لاانجح الله حزبك ؟!!!!!!!!]
دور المسجد في العمل السياسي بين سد الذرائع وفتحها
تقوم الفتوى بابعاد المسجد عن المعارك السياسية استنادا الى قاعدة سد الذرائع فنظرا لما يثار في هذه المعارك من لغط ورفع الصوت وتنابز بالالقاب وهي مما لايجوز ان يكون في المسجد هذا التحليل ليس فيه شيء من رائحة الفقه فسد الذرائع معمول به عند بعض الفقهاء لكن ممارسة تطبيق هذا الاصل في الواقع قد ضل فيه الكثير اذ استخدموه في غير محله لينتهي الى فتاوى شاذة مثل شذوذ ابعاد المسجد عن العمل السياسي ونحن نؤمن بمبدا سد الذرائع لكن على طريقة الفقهاء المحققين لا على طريقة العوام في فهمهم للمثل الجاري " الباب الي يجيلك منه ريح سدو واستريح " فهذه ليست طريقة فقه ولاعمل فقهاء أعندما يعجز العالم عن تصور الواقعة تصورا صحيحا يرى انه من المريح له تحريمها اخذا بسد الذرائع فان هذا لايجوز ولايجوز ان ينسب الى العلم في شيء .
ودعونا تاملنا المسالة بشيء من التدقيق والبحث الفقهي الجاد ليتبين الاتي
*ما يحدث عادة من تناول امور السياسة في المسجد حتى ولو كان تزكية فلان او غيره والترغيب في انتخابه لايصاحبه لغط او تنابز بالالقاب او رفع للصوت بل يقف المرشح او احد انصاره ليعرض على الناس تصوره وبرنامجه في الاصلاح الذي يوافقه عليه البعض ويختلف معه البعض الاخر فليس في ذلك انتهاك لحرمة المسجد في شيء .
*ولو افترضنا ان صاحب هذه الدعاية شيء من اللغط ورفع الصوت والتنابز بالالقاب والدسائس التي تجري في امور الانتخابات فانه ايضا لايجوز الافتاء باخراج المسجد بالكلية من العملية الانتخابية لهذه العوارض لان المسجد لم يكن هو السبب او الذريعة لذلك حتى نسدها بل ان هذه الممارسات محرمة في ذاتها سواء وقعت في المسجد او وقعت في الشارع اوفي السوق فلا يجوز التجريح بالهيئات والاشخاص والافتراء والدسائس عليهم سواء في المسجد او في غيره  فالحرمة قائمة في الفعل وتلحق القائم به بصرف النظر عن المكان الذي وقعت فيه .
دور المسجد  في حياة المسلمين
لكي نتصور المسالة على وجهها الصحيح حتى يتسنى لنا انزال الحكم الشرعي الصحيح عليها لابد ان نتعرف على دور المسجد في حياة المسلمين.
 فالمسجد في مفهومنا الاسلامي ليس قاصرا على اداء العبادة فحسب بل هو محور الحياة في المجتمع الإسلامي, وكان المسجد على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن بعدهم طوال تاريخنا هو المكان الطبيعي للقاء المسلمين – وهو معهد العلم – وفيه تعقد الاجتماعات وتبرم المعاهدات ومنه تنطلق الجيوش – وبداخله يعقد القضاء والزواج – وفيه يتم تنظيم الدروس الدينية والعلمية للمسلمين – بل إن صلاة الجمعة ذاتها التي فرضها الله على المسلمين وجعل من الضروري أدائها في المسجد الجامع في جماعة تعد في حد ذاتها اجتماعًا سياسيًا أسبوعيًا يناقش المسلمون من خلال خطبة الجمعة مشكلات المجتمع الإسلامي والتحديات التي تواجهه والمهام الملقاة على عاتقه.
واستمر الأمر على هذا المنوال في عهود ازدهار الإسلام وأيام الحكم الإسلامي الصحيح, ومع ظهور الانحراف في المجتمع الإسلامي وخاصة على مستوى شكل الحكم السياسي قام المسجد بدوره في النصح والإرشاد, بل وفي احتضان حركات الثورة والانتفاض من أجل العودة إلى العلاقات الإسلامية الصحيحة على مستوى الفرد والجماعة ونظام الحكم, ليس هذا فحسب, بل إن المسجد كان دائمًا موطنًا لحركات الاحتجاج الاجتماعي والحركات المطالبة بالجهاد ضد الغزو الخارجي, و كان المسجد يشكل ضغطًا هائلاً على الحكام  المستبدين والمنحرفين  للقيام بالاصلاحات المطلوبة. وكان المسجد يقوم بدوره في التعبئة الجماهيرية وتنظيم المتطوعين للجهاد بالنفس والمال, ولعل تجربتيْ ابن تيمية والعز بن عبد السلام تؤكد هذا المعنى في مواجهة التتار والصليبيين. واكتسبت العلاقة التاريخية بين الأمة والعلماء من خلال المسجد بعدًا مهمًا, وأصبحت شرطًا ضروريًا من شروط الانتصار الإسلامي على قوى الكفر الخارجي أو الاستبداد الداخلي على حد سواء, وأصبح فصم هذه العلاقة إحدى الأهداف الثابتة لأعداء أمتنا من استعمار أو عملاء محليين أو علمانيين أو حكام مستبدين أو غيرهم.
دور المسجد المعاصر في العمل السياسي  بين سد الذرائع وفتحها
على العكس من تحريم دخول المسجد في امور السياسة  يمكن ان يلعب المسجد طبقا للمفهوم السالف بيانه دورا فاعلا في تقويم اعوجاج الحكام والاصلاح السياسي وفي ممارسة السياسة والارتقاء بها وذلك في الالتزام الاخلاقي واحترام المرشحين وانصارهم بعضهم لبعض  صونا لحرمة المسجد وتقديرا لهيبته وقدسيته فيكون المسجد سببا في ترشيد االعمل السياسي وتطهيره مما يصاحبه من لغو ورفث لو وقع في مكان اخر وعندنا تجارب دعوية كثيرة في هذا المجال فعندما دعونا الى عقد النكاح في المسجد  رفض البعض  بالسبب ذاته ففي ظنه وتصوره ان الافراح بما يصحابها من لهو ورقص وغيره لاتجوز ان تنقل الى المسجد فقلنا ان المسجد ادعي الى انضباط هذه الافراح وتطهيرها من اللهو الحرام  وفعلا عندما تمت في المسجد تخلصت مما كان يصحبها من محرمات فاصبح فعلها في المسجد مندوبا لذلك وكذلك الحال في دور المسجد في امور السياسة وهو مايدعونا الى فتح الذرائع وليس سدها .
وقاعدة فتح الذرائع قل من تعرض لها من العلماء لكن الامام القرافي قد ذكر هذه القاعدة في كتابه الفروق اذ يقول:" فليس كل ذريعة يجب سدها، بل الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها، وتكره وتندب وتباح، بل قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة كالتوسل إلى فداء الأسارى بدفع المال للكفار الذي هو محرم عليهم الانتفاع به بناء على الصحيح عندنا من خطابهم بفروع الشريعة، وكدفع مال لرجل يأكله حراما حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن دفعه عنها إلا بذلك، وكدفع المال للمحارب حتى لا يقع القتل بينه وبين صاحب المال عند مالك- رحمه الله تعالى- ولكنه اشترط فيه أن يكون يسيرا"، وتابعه على ذلك آخرون.
وقاعدة الذرائع بذلك المعني الذي ذكره القرافي هي قاعدة مقاصدية بامتياز وليست بهذا الجمود الذي يتناوله انصاف العلماء ، يقول ابن عاشورفي كتابه مقاصد الشريعة :"إن الشريعة قد عمدت إلى ذرائع المصالح ففتحتها..."
ومن ثم فاننا نري ان دخول المسجد في قلب المعركة الساسية هو الاولى  وليس العكس وليس هناك خوف من تناول الاختلافات الحزبية في المسجد , فلقد شهد المسجد كبري المعارك الكلامية والفقهية والفكرية والسياسية وشهد مناظرات الفرق والعلماء على اختلاف مناهجهم وافكارهم ومذاهبهم ولم نسمع عن احد من العلماء المعتبرين من طالب باخراج المسجد من ذلك وقصره على الصلاة فقط .
فتوى مرفوضة
ان الفتوى باخراج المسجد او تحييده في العملية السياسية هي فتوى علمانية  بينها وبين الفقه الاسلامي خرط القتاد صدرت ممن يكرهون المسجد ولايطيقون المرور امامه فضلا عن دخوله فلو اضطر احدهم الى الالتقاء بالمسجد بسبب ظروف اجتماعية كعقد نكاح او صلاة جنازة لرأيتهم واقفين خارج المسجد يستنكفون عن دخوله حتي تنتهي الصلاة او الاحتفال فكيف يطيقون ان تكون ممارسة العملية السياسية  في المسجد اذ هو مرض في نفوس اعداء المسجد وليس حرصا على قدسية المسجد .
الواقع والمامول
اننا في هذه المرحلة الفارقة في تاريخنا نتطلع الى ارساء تقاليد وعادات في ممارسة العملية السياسية على طريقة الاسلام وليس على طريقة ماكيفلي هذه الطريقة تقوم على احترام الاخر وعدم التجريح في الهيئات والاشخاص واحتناب المحرمات من السباب والشتائم  والتنابز بالالقاب وتقوم على عرض كل صاحب رأي  رؤيته للاصلاح من منطلق قاعدة رأيي صواب يحتمل الخطأ ورايي غيري خطأ يحتمل الصواب وتقوم على قبول الاخر والظن به خيرا وانه ما اراد الا الخير حسب رؤيته فان اصاب فله اجران وان اخطأ فله أجر السعي والاجتهاد وهذه الممارسة بهذا الشكل يكون المسجد هومحورها وفي قلبها ليشرق على المتحاوريين والمتنافسين من نوره وقدسيته فيلتزم الجميع وتظهر مماراسات راقية وحضارية تدشن لمرحلة النهوض والازدهار الحضاري لامتنا في اعقاب الربيع العربي الذي اتاها يختال ضاحكا بعبقه الجميل حتي كاد من الحسن ان يتكلما .



 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق