الاثنين، 4 أغسطس 2014

المنشقون عن الإخوان .. والذاكرة المفقودة



كان الرجل الثاني في جماعة الإخوان  المسلمين بعد فضيلة المرشد..  كان لا يشق له غبار.. كان أستاذًا من الطراز الأول خطيبًا لا يبارى, فآخذته عجبة مهلكة  فخالف سياسة الجماعة وتمرد على لوائحها وقراراتها ففصل من عضويتها فانقلب على الإخوان.  ظن أن الصف سيذهب معه، حاول أن يؤسس جماعة نظيرة ففشل، فبدأ يتردد على الأحزاب المعادية للإخوان، وقد فتحت له أبوابها وبسطت له وسائل إعلامها ليكيل التهم للإخوان وقيادتهم، وينهش في أعراضهم  بالافتراء البغيض.  ضاق شباب الصف به ذرعًا، لكن الأستاذ المرشد كان له رأي آخر، فقد اوصى به خيرا وأمرهم أن لا يتحدث عنه أحد بسوء..  فانصرفوا إلى صفوفهم  ومحاضنهم التربوية  وإلى دعوتهم غير عابئين به .
وفي وقت من الأوقات كان يصلح سيارته عند أحد الإخوان الميكانيكيين، وكان يرافقه صديق فأخذ يكيل التهم للأستاذ المرشد والجماعة في حديث مع صاحبه، والميكانيكي يسمع وبعد أن فرغ أراد  أن يعطيه أجره فرفض الميكانيكي وقال له لقد أوصاني فضيلة المرشد بك خيرًا .. فخجل وغادر المكان.
أسارع أيها القارئ  لأقول لك  إنه ليس  هو الذي تبادر إلى ذهنك ولا الزمن هو الزمن الذي ظننت..  هذه الحادثة كانت منذ ما يزيد على ستين عاما، وقت أن كانت الجماعة لم تتجاوز العقد الثاني من عمرها.. إنه الشيخ أحمد السكري وكيل الجماعة في تلك الفترة والمرشد هو الإمام البنا.
خرج الشيخ السكري من الجماعة وحيدًا بعد أن ظن أنه سيلحقه خلق كثير، ومضي وحيدا وعاش وحيدا ولا أظن أن أحدا يذكره اليوم بعد أن راهنت عليه الأحزاب والقوى العلمانية، ولم يكن الأخير الذي خرج من الجماعة  لكنها كانت السنّة الماضية في تاريخ هذه الحركة المباركة كما يقول الشهيد سيد قطب  "ومرة بعد مرة،  في عمر الجماعة المديد نزت في نفوس بعض الرجال- من الإخوان نزوات.. وفى كل مرة سقط أصحاب هذه النزوات كما تسقط الورقة الجافة من الشجرة الضخمة، أو انزوت تلك النزوة، ولم تستطع أن تحدث حدثا في الصفوف مرة بعد مرة، استمسك أعداء الإخوان بفرع من تلك الشجرة، يحسبونه عميقا في كيانها، فإذا جذبوه إليهم جذبوا الشجرة، أو اقتلعوا الشجرة.. حتى إذا آن أوان الشد خرج ذلك الفرع في أيديهم جافا يابسا كالحطبة الناشف لا ماء فيها ولا ثمر لأنها عبقرية البناء، تمتد بعد ذهاب البناء".
الذين يراهنون الآن على المنشقين من الإخوان قوم فقدوا الذاكرة ولم يقراوا التاريخ، فظلوا يعيشون على أوهام أن يجدوا عند السراب ماءًا ولم يعتبروا بدروس التاريخ.
نوعان من الخروج
إذا كان من يراهن على الانشقاق عن الجماعة فاقدًا للذاكرة فإن الرجال الذين لم يتوائموا مع التنظيم  وخرجوا منه منهم فريق أيضا فقدوا الذاكرة .
لأن التاريخ يذكر لنا  نوعين من الخارجين على الجماعة:
الأول رجال خرجوا من بيت الإخوان ونسوا أنه كان يوما مأوى لهم  من لفح الهجير فأرادوا أن يهدموه حجرا حجرا على رأس قاطنيه  والسؤال: لماذا كل هذا الحنق  والغيظ إن كانوا قد خرجوا من البيت لضيقه، ولم يعجبهم حسب زعمهم، فليبنوا بيتًا أوسع وأرحب منه،  فربما قدموا حلا لما ظنوه مشكلة .. لكنها النفوس .
الثاني نوع آخر خرج من التنظيم لأسباب أخرى قد تكون ظروفا نفسية  أو ظروفا مكانية، لكن ظلت قلوبهم معلقة بالبيت الذي نشئوا فيه؛ يحفظون له لحظات الود،  يحومون حوله، أعينهم عليه، يبذلون من أنفسهم حماية له، لا يطيقون أن يروا ذبابة وقعت عليه، خرجوا من التنظيم  لكن ظلت أفئدتهم تهوى إلي الفكرة والمنهج القائم عليه، فوقفوا في  وجه أعدائه بكل قوة، وانطلقوا في العطاء لأبنائه بلا حدود، تربية وثقافة ووعيًا .. رحم الله الشيخ الغزالي.
والآن أين نضع من أدمن الجلوس أمام النساء الشمطاوات في الفضائيات يقضي الساعات في تجريح  الإخوان؟
إن غدا لناظره لقريب .. وسنعلم أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق